اسم الکتاب : تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : النيسابوري، نظام الدين القمي الجزء : 1 صفحة : 340
الحياة ولا الموت فقال وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ مؤكدا باللام والنون والقسم المقدر وهو من وجد بمعنى علم. وقوله عَلى حَياةٍ بالتنكير لأنه أراد نوعا من الحياة مخصوصا وهي الحياة المتطاولة أو حياة وأيّ حياة. وفي جعلهم أحرص من الذين أشركوا توبيخ عظيم، لأن المشركين لا يؤمنون بمعاد وعاقبة وما يعرفون إلا الحياة الدنيا فهي جنتهم، فلا يستبعد حرصهم عليها. فإذا ازداد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان خليقا بالتوبيخ. وسبب زيادة حرصهم هو علمهم بأنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون غافلون عن ذلك. وقيل: أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم: عش ألف نيروز وألف مهرجان. وعن ابن عباس: هو قول الأعاجم «زي هزار سال» ، ويحسن أن يقال وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا كلام مبتدأ أي ومنهم ناس يودّ على حذف الموصوف كقوله وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصافات: 164] أي وما منا ملك لقوة الدلالة عليه بذكر ما اشتمل عليه قبله، فكأنه مذكور، وعلى هذا يلزم توبيخ اليهود من جهة أخرى وهي انضمامهم في زمرة المشركين وكونهم بعضا منهم وذلك كقولهم عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: 30] . وقال أبو مسلم: في الآية تقديم وتأخير أي ولتجدنهم طائفة من الذين أشركوا وأحرص الناس على حياة، ثم فسر بقوله يَوَدُّ أَحَدُهُمْ أي كل واحد يغرض لو يعمر. و «لو» في معنى التمني ولَوْ يُعَمَّرُ حكاية لودادتهم، وكان يجوز «لو أعمر» على الحكاية إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله يَوَدُّ أَحَدُهُمْ مثل «حلف بالله ليفعلن» وتخصيص الألف بالذكر بناء على العرف ولأنه أول عقد يستحيل وقوعه في أعمار بني آدم أو يندر. والضمير في قوله وَما هُوَ يعود إلى أحدهم وأَنْ يُعَمَّرَ فاعل بِمُزَحْزِحِهِ أي وما أحدهم بمن يزحزحه من العذاب تعميره. ويجوز أن يكون الضمير لما دل عليه يُعَمَّرُ من مصدره وأَنْ يُعَمَّرَ بدل منه كأنه قيل: وما التعمير بمزحزحه من العذاب أن يعمر. ويجوز أن يكون هُوَ مبهما وأَنْ يُعَمَّرَ موضحه. والزحزحة المباعدة والتنحية. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فيه تهديد لأهل البغي والعناد، وزجر للعصاة عن الفساد. والبصر قد يراد به العلم يقال فلان بصير بهذا الأمر أي عارف به، وقد يراد به أنه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها، وكلا الوصفين يصح عليه سبحانه ما لم يثبت له جارحة. فإن قلنا: إن من الأعمال ما لا يصح أن يرى، تعين حمل البصر فيه على العلم والله أعلم بالصواب. وإليه المرجع والمآب.